تاريخ المغرب: تحيين وتركيب2012"
أي جديد في هذه المحاولة التركيبية ؟
د. شكير عكي، مركز الدراسات العربية، الرباط
تمهيد
صدر عن المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب وتحت إشراف الأستاذ محمد القبلي مؤلف تركيبي لطالما انتظره المهتمون بتاريخ المغرب بحثا وتأليفا وتدريسا. ولهذا المؤلف عنوان يحمل أكثر من دلالة؛ فهو أولا تركيب أي رؤية تجميعية نسقية لمختلف التحليلات القطاعية لتاريخ المغرب بكل تفاعلاتها الزمنية والمكانية وإشكالاتها الموضوعاتية، وهو ثانيا تحيين أي قراءة متجددة لتاريخ المغرب بعد حصر تراكمات نوعية وكمية في إنتاج المعرفة التاريخية الخاصة بالمغرب عبر مؤسسات البحث التاريخي بالجامعات والمعاهد الوطنية والدولية. وأما الدلالة الثالثة للعنوان فتنبع من كون هذا المؤلف حصيلة تفكير جماعي لثلة من الباحثين المغاربة من منظورية تداخل التخصصات من تاريخ وجغرافية بشرية وعلوم اقتصادية وسياسية وانتروبولوجية ولسانيات وتاريخ الفن والحفريات وعلم الآثار.
والأكثر دلالة من ذلك هو أن هذا المنتوج جاء ثمرة عمل مؤسسي تحت إشراف المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب والذي يعتبر مؤسسة وطنية للبحث العلميتشتغل في إطار الاستقلالية العلمية، يعهد إليها بمهمة تفعيل عملية البحث في تاريخ المغرب والارتقاء بالمعرفة المتصلة بماضي المغرب القريب والبعيد، بهدف ترسيخ الهوية المغربية وتأصيل الذاكرة الجماعية، مع التفتح على مختلف الأطراف المتفاعلة حضاريا وثقافيا مع الذات والشخصية المغربية عبر مختلف العصور الزمنية.
ونظرا لأهمية مثل هذه الإنتاجات الفكرية والعلمية بالنسبة للممارسين في ميدان تدريس تاريخ المغرب، يبدو من الأفيد أن تواكبه قراءات تقديمية وتحليلية من خلال سلسلة من الورقات نعرضها على موقع مركز الدراسات العربية بالرباط ،باعتباره واجهة معرفية وثقافية مفتوحة لهؤلاء الممارسين سواء في نطاق الشعبة الدولية بمدارس البعثة الفرنسية أو غيرهم ممن لهم رغبة في مواكبة المستجدات الأكاديمية والديدكتيكية في حقل التاريخ. ونبدأ اليوم بورقة تقديمية لبنية المؤلف والمقاربة المنهجية المعتمدة في إنتاجه.
أولا : بنية المؤلف
تتكون بنية مؤلف " تاريخ المغرب : تركيب وتحيين" من مقدمة وعشرة فصول وخاتمة بالإضافة إلى المعالم الكرونولوجية والمعجم التاريخي والإحالات الببليوغرافية والمرجعيات الإيكونوغرافية، يضاف إلى ذلك قائمة من 37 خريطة وقائمة من 166 لوحة وصورة. وبذلك يمكن القول بأن هذا المؤلف يشكل موردا علميا وديدكتيكيا للممارسين في حقل تدريس التاريخ.
أما المادة التاريخية العلمية التي يختزنها المؤلف فجاءت موزعة على عشرة فصول؛ الأول يتطرق للمغرب منالدينامية الطبيعية إلى بناء المجال الترابي. والثاني يتناول مغرب ما قبل التاريخ من الأصول إلى القرن الثامن قبل الميلاد. ويعالج الفصل الثالث المغرب والعالم المتوسطي قبل الإسلام. ويلاحظ أن المغرب الوسيط يستأثر بفصلين متكاملين هما الرابع الذي يتناول التطور السياسي، والخامس الذي يتطرق للمجتمع والحضارة بالمغرب الوسيط. ونظرا لأهمية القرن الخامس عشر الميلادي باعتباره منعطفا في تاريخ المغرب، فقد انفرد بفصل مستقل هو الفصل السادس. ويأتي الفصل السابع لمقاربة الأزمات ومحاولات الاستدراك في المغرب من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر. وبالرجوع إلى الفصل الثامن نجد تحليلا تاريخيا لأوضاع المغرب في زمن التغلغل الأجنبي ومحاولات الإصلاح التي قام بها المخزن المغربي خلال القرن التاسع عشر. ويعالج الفصل التاسع فترة الحماية من خلال تيمة الغزو والمقاومة والتحولات التي أحدثها نظام الحماية في المغرب. ولا يتوقف التحليل التاريخي في هذا المؤلف عند حصول المغرب على الاستقلال بل يمتد ليقارب تحولات المغرب المستقل والزمن الراهن.
ثانيا : المقاربة المنهجية المعتمدة في المؤلف
نشير في البداية إلى أن هناك بعض الأسس الموجهة لهذه المقاربة وهي أولا طبيعة الموضوع الذي يشمل مادة معرفية غاية في التعقيد ويطرح أسئلة تخترق أكثر من حقل واحد. ثم هناك التراكم المحقق على مستوى الأبحاث المنجزة حول تاريخ المغرب منذ الستينات سواء بالجامعة أو خارجها في المغرب أو في البلاد الأجنبية. وبالتالي كان من الضروري إدماج نتائج تلك الأبحاث في هذه المقاربة التركيبة والتحيينية. ونضيف إلى ذلك تركيية فريق التأليف المتعدد التخصصات والتي استوجبت خيار المقاربة الشمولية، وذلك بضبط كل المحاور والمقاطع وتحديد مختلف مواطن التفاعل ومحطات الانتقال عبر المراحل التاريخية دون إغفال عوامل الاستمرارية ولحظات القطيعة.
أما الملامح الكبرى لهذه المقاربة المنهجية فنجدها واردة في مقدمة الكتاب. ويمكن رصدها في الآتي:
وفي الختام تستوقفنا إشارة دالة في مقدمة الكتاب تنطوي على ميزة يتفرد بها هذا المؤلف وهي أنه لا يعدو أن يكون سوى استطلاع يسعى، من جهة، إلى استشفاف بعض الوقائع التاريخية البارزة كالحروب والأزمات ومحاولات الاستدراك، ومن جهة ثانية، إلى فهم كنه المسلسلات/السيرورات التي تم ابتذالها على مستوى الذهنية الجماعية كظاهرة الجدلية المخزنية وظاهرة الدينامية القبلية والشرف السياسي والانفجار الصوفي والتقلبات المسجلة داخل الأسر الحاكمة.
وستكون لنا عودة في ورقات قادمة لمختلف هذه الإشكالات التاريخية لكن من منظور تدريسي مستحضرين الحاجيات التكوينية للمدرسين في هذا المجال.
كفيت ووفيت يا استاذي العزيز شكرا على هذا التقديم الجميل لكتاب تاريخ المغرب تحيين وتركيب
ردحذف